المنشآت النووية في احتياج متزايد إلى “دروع رقمية” تحميها من عواصف الهجمات الإلكترونية

عندما تتدفق البيانات على العالم كالدماء في شرايين الحضارة، تصبح الشاشات ساحات معركة خفية، حيث تُحاك المؤامرات في صمت الأصفار والواحدات، مستهدفة المنشآت النووية، التي لم تعد بتعقيدها وحساسيتها، تحتاج فقط إلى جدران خرسانية وأسلاك شائكة، بل إلى “درع رقمي” يحميها من عواصف الهجمات الإلكترونية التي قد تحول مفاعلًا سلميًا إلى كابوس إشعاعي، ففي عصر تتزايد فيه التهديدات السيبرانية تعقيدًا وشراسة، يبرز الأمن السيبراني كحارس لا غنى عنه للمنشآت النووية، حيث يمكن لاختراق واحد أن يُطلق العنان لكارثة بيئية أو إنسانية.

فكيف تحمي الدول منشآتها النووية من هذه الحرب الخفية؟ وما هي أحدث الاستراتيجيات والتقنيات المستخدمة لصد الهجمات الإلكترونية؟


التهديدات السيبرانية: عندما يصبح القرصان أكثر خطرًا من القنبلة

تتعرض المنشآت النووية لسلسلة من التهديدات الإلكترونية التي تتراوح بين هجمات فردية إلى عمليات مدعومة من دول، ومن أبرزها:

1. هجمات “القرصنة المدعومة” (State-Sponsored Hacking)

  • مثل هجوم فيروس ستاكسنت (Stuxnet) عام 2010، الذي استهدف أجهزة الطرد المركزي الإيرانية وأعاق عملها لشهور، كاشفًا عن إمكانية تدمير البنى التحتية النووية دون عبور حدود دولة.
  • هجمات مجموعات مثل APT29 (Cozy Bear) المرتبطة بجهات استخباراتية، والتي تستهدف شبكات الطاقة والمنشآت النووية لسرقة البيانات أو تعطيل الأنظمة.

2. برامج الفدية (Ransomware).. الخطر الذي يبيع الكوارث

  • في 2021، تعرضت منشأة نووية هندية لهجوم ببرنامج “دوكوس (Dukes)“، مما أجبر المشغلين على تعطيل بعض الأنظمة الحيوية مؤقتًا.
  • بعض الهجمات لا تهدف للربح المادي بل إلى التخريب السياسي أو الإرهابي.

3. التهديدات الداخلية: العدو داخل الأسوار

  • قد يكون الموظفون الساخطون أو العملاء المخترقون هم الأداة الأكثر فتكًا، كما حدث في هجوم نطنز النووي (2021)، الذي نُسب إلى عملاء داخل المنشأة.

4. استغلال الثغرات في الأنظمة القديمة (Legacy Systems)

  • كثير من المفاعلات النووية تعمل بأنظمة SCADA و ICS التي صُممت قبل عصر الإنترنت، مما يجعلها عرضة للاختراق.

كيف تحمي الدول منشآتها النووية إلكترونيًا؟

تتبنى الدول استراتيجيات متعددة المستويات لتعزيز الأمن السيبراني للمنشآت النووية، منها:

1. العزل الشبكي (Air-Gapping): هل هو حلٌّ مضمون؟

  • رغم فصل بعض الأنظمة عن الإنترنت، فإن هجوم ستاكسنت أثبت أن العزل ليس كافيًا، حيث انتقل الفيروس عبر محركات USB.
  • يتم الآن تعزيز العزل الشبكي بـ مراقبة صارمة للأجهزة القابلة للإزالة.

2. الذكاء الاصطناعي.. الحارس الذي لا ينام

  • تُستخدم خوارزميات التعلم الآلي لاكتشاف أنماط غير طبيعية في تشغيل المفاعلات، مثل ارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة قد يكون مؤشرًا على هجوم إلكتروني.
  • بعض الأنظمة، مثل Darktrace، تستطيع التنبؤ بالهجمات قبل حدوثها.

3. تقنية “البلوكتشين”.. سجلٌ لا يُخترق

  • تُستخدم تقنية Blockchain لتأمين سجلات التشغيل والصيانة، مما يجعل تزوير البيانات أو العبث بها مستحيلًا.

4. التدريب المستمر.. لأن الإنسان هو الحلقة الأضعف

  • تُجرى تدريبات محاكاة هجمات إلكترونية (مثل مناورات “نورث كوبرا” في أوروبا) لاختبار جاهزية الفرق الفنية.
  • يتم تعليم العاملين كيفية التعرف على حملات التصيد الاحتيالي (Phishing) التي تستهدف سرقة بيانات الدخول.

التحديات.. لماذا يبقى الأمن السيبراني النووي معركة غير مضمونة؟

رغم التطور التقني، تواجه الحماية السيبرانية للمنشآت النووية تحديات جسيمة، منها:

  • التكلفة الباهظة لتحديث الأنظمة القديمة.
  • النقص الحاد في الخبراء المتخصصين في أمن المنشآت الصناعية.
  • الحواجز السياسية التي تعيق التعاون الدولي في مواجهة الهجمات الإلكترونية العابرة للحدود.

 هل نحن مستعدون للحرب السيبرانية القادمة؟

في عالم تتداخل فيه الحدود الرقمية مع الجيوسياسية، لم يعد الأمن السيبراني للمنشآت النووية خيارًا، بل ضرورة وجودية. الدول التي تتخلف عن تطوير دفاعاتها الإلكترونية تخاطر بتحويل مفاعلاتها إلى قنابل موقوتة.. قنابل لا تنفجر بالبارود، بل بضغطة زر من قرصان مجهول في زاوية مظلمة من العالم.

“في حرب الأصفار والواحدات، قد يكون الاختراق الإلكتروني بداية نهاية العالم.. دون ضجيج.”

 

محمد الشرشابي
محمد الشرشابي
المقالات: 76

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.