العالم العربي في مرمى الهجمات السيبرانية.. اتساع رقعة التهديدات وارتفاع منسوب المخاطر

شهد العالم العربي خلال الأعوام الأخيرة تصاعدًا غير مسبوق في وتيرة الهجمات السيبرانية التي تستهدف البنية التحتية الحيوية، وقطاعات الطاقة، والاتصالات، والخدمات الحكومية والمالية. وتزايد اعتماد الدول العربية على التحول الرقمي أتاح فرصًا واسعة لتحسين الخدمات، لكنه خلق في الوقت ذاته بيئة خصبة لاستغلال الثغرات، ورفع مستوى المخاطر على الأمن الوطني، بدءًا من سرقة البيانات الحساسة، وصولًا إلى محاولات تعطيل الخدمات الحيوية أو التأثير على الاستقرار الداخلي.

وتبرز الهجمات الموجّهة المدعومة من جهات دولية، إضافة إلى عصابات الجريمة الإلكترونية الأقل تكلفة، كأخطر التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي، خصوصًا مع اعتماد المهاجمين على أساليب الهندسة الاجتماعية، وسلاسل توريد البرمجيات، وبرمجيات الفدية التي تستهدف المؤسسات الحكومية والخاصة على حد سواء.

استهداف البنية التحتية الحيوية وقطاعات الدولة

تشير تقارير مراكز الأمن السيبراني العربية إلى تصاعد الهجمات ضد قطاعات الطاقة والبترول، التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد، من خلال محاولات الوصول إلى أنظمة التحكم الصناعية (ICS) واختراق شبكات التشغيل. كما تعرضت الأنظمة المصرفية لهجمات تهدف لاختراق بيانات العملاء وتنفيذ عمليات تحويل غير شرعية، مستغلة الثغرات في تكامل الأنظمة بين المصارف ومزودي الخدمات التقنية.

أما المؤسسات الحكومية، فكانت هدفًا لحملات تجسسية واسعة النطاق تسعى للحصول على بيانات حساسة أو زرع أبواب خلفية تسمح للمهاجمين بالعودة لاحقًا. وتتضمن هذه الحملات رسائل تصيّد موجهة تنتحل جهات رسمية، وروابط مزيفة تدفع المتلقي إلى تثبيت برمجيات خبيثة مموهة بتحديثات أو مستندات رسمية.

جبهات مفتوحة: من المعلومات المضللة إلى الهجمات متعددة الطبقات

لا يقتصر التهديد السيبراني على سرقة البيانات أو تعطيل الخدمات، بل يمتد إلى حرب معلوماتية تستغل المنصات الرقمية لبث روايات مضللة تزعزع الثقة بالمؤسسات. وتشهد المنطقة محاولات متكررة للتأثير على الرأي العام أو خلق بلبلة حول الأحداث السياسية والاقتصادية، مستفيدين من ضعف الوعي المجتمعي بالأمن الرقمي.

إلى جانب ذلك، توسّعت قدرات المهاجمين في استخدام هجمات متعددة الطبقات تتداخل فيها البرمجيات الخبيثة مع استغلال الثغرات، والتصيد المتقدم، والأدوات التجارية المسروقة، مما يزيد صعوبة الاكتشاف ويؤخر الاستجابة. كما باتت الهجمات على سلاسل التوريد هدفًا مفضلًا، إذ يتيح اختراق مزود واحد التأثير على عشرات المؤسسات المرتبطة به في الوقت ذاته.

الأمن الرقمي كخط دفاع أول ضمن الأمن القومي العربي

بات من الواضح أن الأمن السيبراني ليس مجرد ملف تقني، بل عنصرٌ أساسيٌ في منظومة الأمن القومي العربي. وتدرك الدول العربية اليوم أن حماية الحدود الرقمية تُعدّ امتدادًا لحماية الحدود المادية، بما يشمل تطوير سياسات تشريعية واضحة، وتوحيد جهود مراكز الاستجابة للطوارئ السيبرانية، وتعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية حول التهديدات.

وتتجه العديد من الحكومات إلى تبني نموذج الثقة الصفرية، وتوسيع الاعتماد على التشفير والمصادقة متعددة العوامل، إضافة إلى الاستثمار في حماية الأنظمة الصناعية والشبكات السيادية. كما ترتفع الحاجة إلى بناء كوادر وطنية متخصصة، وتعزيز الوعي المجتمعي، وتطوير منصات محلية قادرة على رصد الهجمات والاستجابة لها في الوقت الحقيقي، لضمان صمود البنية الرقمية أمام هجمات آخذة في التعقيد والانتشار.

محمد الشرشابي
محمد الشرشابي
المقالات: 232

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.