أدخلت العملة الرقمية منذ نشأتها بعد 2009 بعدًا جديدًا للجريمة المالية: وسيلة دفع مباشرة وعابرة للحدود تسهّل الابتزاز، والاختلاس، وغسيل الأموال، فضلاً عن أنماط احتيال جديدة تستهدف مستثمري التجزئة والمؤسسات على حد سواء. في 2024–2025 شهد المشهد تغيّرات سريعة في أساليب المجرمين وتحوّلات في الأصول المستهدفة، ما جعل الجهات الأمنية وشركات التحليل تتسابق لفَهم ديناميكيات هذه الجرائم وملاحقة الأموال المشبوهة على السلاسل العامة للكتل.
حجم الظاهرة وتحوّل الأدوات المالية الرقمية
بيانات صناعية وأمنية تظهر أن أحجام الأنشطة المشبوهة على شبكات العملات الرقمية بقيت مرتفعة، مع تغيّر ملحوظ في توزيع الأصول — حيث باتت العملات المستقرة ومحافظ الإيثيريوم والحلول عبر السلاسل تشكّل نسبة كبيرة من التدفقات المرتبطة بأنشطة إجرامية، بينما تراجعت مدفوعات الفدية الإجمالية مقارنة بعام سابق بفضل تعاون دولي أقوى وعمليات مصادرة. كما تنمو أرصدة الكيانات المشتبه فيها بشكل ملحوظ، ما يقدّرها بعض المراقبين بعشرات المليارات من الدولارات قابلة للاستهداف أو المصادرة.
كيف تُستغل العملات الرقمية في الجرائم السيبرانية
تتنوع استخدامات العملات الرقمية لدى مرتكبي الجرائم بين: دفع فديات برمجيات الفدية، تمويل شبكات غسيل الأموال عبر منصات وتبادلات ضعيفة الرقابة، وإجراء عمليات احتيال استثماري عبر منصات مزيفة أو مشاريع مزيفة (rug pulls). كما تُستخدم العملات المشفّرة كقنوات لتلقي عائدات قرصنة البورصات وسرقة المحافظ، إضافة إلى شرائح من الهجمات الممولة سياسياً. في المقابل، تكشف تقارير متعددة أن أساليب التهريب المالي تتكيف بسرعة مع إجراءات الحظر والعقوبات، فتنتقل إلى خدمات تحويل لا مركزية، خدمات تشفير متقدمة، وبنى وسيطة في دول بعيدة عن الرقابة.
تكتيكات المتهمين وأبرز حوادث الاختراق والتحقيق
شهد العامان الأخيران هجمات ضخمة على منصات تداول وبنى تحتية رقمية أدت إلى سرقات بالمليارات، كما استُخدمت مجموعات قرصنة متقدمة لتهريب العائدات عبر سلاسل معقّدة وتحويلها إلى عملات تقليدية أو أصول قابلة للاختفاء. في المقابل نجحت عمليات تنسيق دولية وميدانية في تعطيل شبكات احتيال واستعادة مبالغ معتبرة من الأصول الافتراضية، ما يعكس فعالية التعاون بين الجهات الأمنية والقطاع الخاص عندما تتوفر الإرادة والآليات القانونية الملائمة.
أدوات المواجهة: تقنيات السلسلة والتعاون الدولي
الجهود لمواجهة كرّ وفرّ الجرائم الرقمية لا تقتصر على التتبّع على السلسلة فحسب، بل تشمل تعاونًا قضائيًا عابرًا للحدود، عمليات مصادرة أصول، شراكات بين القطاع الخاص والجهات الأمنية، وفرض قيود تنظيمية على منصات التداول وخدمات الحفظ. تعتمد استراتيجية الحدّ من المخاطر على تشديد قواعد التعرف على العملاء ومكافحة غسيل الأموال، تحسين بنى الكشف التلقائي عن أنماط الغسيل، تبادل معلومات استخباراتية أسرع بين الدول، وبرامج استجابة للحوادث قادرة على تجميد وتحويل الأصول قبل أن يخرج أثرها من متناول القانون. لا تزال الحاجة ماسة لتحديث الأطر القانونية لتشمل الأشكال الجديدة من التمويل الإجرامي والاقتصاد الموازي داخل الفضاء الرقمي.































