أعلنت شركة NSO Group الإسرائيلية، المصنّعة لبرمجية التجسس المثيرة للجدل “بيغاسوس” (Pegasus)، عن استحواذ مجموعة استثمار أميركية على حصة السيطرة فيها، في صفقة ضخمة قُدّرت بعشرات الملايين من الدولارات. وأكد متحدث باسم الشركة لموقع TechCrunch أن المجموعة الأميركية أصبحت تملك الملكية الإدارية الكاملة، في خطوة مفاجئة أعادت الشركة إلى دائرة الضوء بعد سنوات من العزلة الدولية.
بيغاسوس: الاسم الذي أشعل معارك الخصوصية
تعود شهرة NSO إلى برنامجها التجسسي Pegasus، الذي كشف باحثون أمنيون عن استخدامه لاختراق هواتف صحفيين ونشطاء ومعارضين سياسيين في عشرات الدول، من خلال ثغرات خفية في أنظمة iOS وAndroid. وقد أدى ذلك إلى إدراج الشركة على القائمة السوداء لوزارة التجارة الأميركية عام 2021، لتصبح رمزًا للصراع العالمي بين الأمن القومي والحق في الخصوصية الرقمية.
وبالرغم من نفي NSO المتكرر تورطها المباشر في إساءة استخدام أدواتها، إلا أن تقارير متعددة أكدت أن البرنامج استُخدم في حملات تجسسية استهدفت حكومات وصحفيين ومنظمات حقوقية، مما أضرّ بسمعتها دوليًا وأثار موجة دعوات لإخضاع شركات التجسس الخاصة لرقابة دولية مشددة.
الاستحواذ الأميركي: بين إعادة الهيكلة والتطهير السياسي
يمثل دخول المستثمر الأميركي على خط NSO محاولة لإعادة هيكلة الشركة وتطهير صورتها القانونية، عبر نقل السيطرة إلى جهة تخضع للقوانين الأميركية. ويرى محللون أن الصفقة قد تمهّد الطريق أمام الشركة لاستعادة قدرتها على التعامل مع شركات التكنولوجيا الكبرى التي قطعت صلاتها بها سابقًا مثل Apple وMeta، خاصة إذا نجحت في تعديل نموذج أعمالها نحو الاستخدام “المشروع” في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
لكن الخطوة تثير أيضًا مخاوف من التفاف قانوني، إذ إن إعادة تسجيل الشركة تحت مظلة أميركية قد يمنحها مساحة للتحرك في أسواق كانت مغلقة أمامها، دون معالجة جوهر المشكلة المتمثل في طبيعة أدواتها الهجومية.
الأمن السيبراني بين واشنطن وتل أبيب
لطالما شكّلت إسرائيل والولايات المتحدة شراكة استراتيجية في مجال الأمن السيبراني الهجومي، حيث تُعد تل أبيب من أبرز مراكز تطوير أدوات الاختراق والاستخبارات الرقمية في العالم. وقد ساهم هذا التعاون في بناء منظومة معقدة من الشركات شبه الحكومية التي تعمل على تطوير تقنيات المراقبة المتقدمة، مثل NSO وCandiru وParagon.
ويرى خبراء أن الاستحواذ الأميركي على NSO لا يُمكن قراءته بمعزل عن هذه العلاقة التاريخية، إذ قد يمثل نقلة تكتيكية تهدف إلى دمج القدرات الإسرائيلية ضمن منظومات الأمن السيبراني الأميركية تحت غطاء استثماري، بما يضمن استمرار تدفق التكنولوجيا الهجومية الإسرائيلية إلى الحلفاء الغربيين، ولكن ضمن أطر رقابية جديدة أكثر قابلية للسيطرة.
انعكاسات الصفقة على مستقبل الخصوصية الرقمية
يرى محللو الخصوصية أن هذه الصفقة تُعد اختبارًا حقيقيًا لموقف واشنطن من برمجيات المراقبة الهجومية، بين التزاماتها المعلنة بحماية الخصوصية وحقوق الإنسان من جهة، وحاجتها إلى أدوات استخباراتية متقدمة لمواجهة التهديدات السيبرانية العالمية من جهة أخرى.
ويُخشى أن تفتح الصفقة الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون الأميركي-الإسرائيلي في مجال التجسس الإلكتروني، تحت عناوين تجارية واستثمارية ظاهرها الابتكار، وباطنها تعزيز قدرات المراقبة العابرة للحدود.






























