إعادة التفكير في أمن بيانات الذكاء الاصطناعي: دليل المشتري

تحوّل الذكاء الاصطناعي التوليدي في بضع سنوات قليلة من أداة تجريبية إلى ركيزة أساسية في الإنتاجية المؤسسية، إذ بات الموظفون يعتمدون عليه في البرمجة والتحليل وصياغة النصوص واتخاذ القرارات. غير أن سرعة هذا التبني تضع مديري أمن المعلومات والمهندسين المعماريين أمام مفارقة معقدة: فكلما ازدادت قوة هذه الأدوات، ازدادت هشاشة حدود المؤسسة أمام المخاطر.

المعضلة الحقيقية لا تكمن فقط في إهمال الموظفين عند إدخال البيانات في النماذج، بل في أن المؤسسات ما زالت تقيم الحلول وفق عقلية قديمة، محاولةً تكييف ضوابط تقليدية مع سطح تهديدات لم تُصمم لتغطيه.

مشهد سوق مزدحم وضوابط غير ملائمة

بات سوق أمن بيانات الذكاء الاصطناعي مكتظًا، إذ يسعى مزودو حلول الحماية التقليدية والجديدة إلى إعادة تسويق منتجاتهم تحت شعار “أمن الذكاء الاصطناعي”. لكن الواقع يكشف أن البنى الأمنية القديمة، المصممة لمراقبة البريد الإلكتروني أو نقل الملفات، لا تستطيع فحص ما يحدث عندما يضع المستخدم شفرة برمجية حساسة في روبوت محادثة، أو يرفع قاعدة بيانات في أداة غير مُصرّح بها. النتيجة أن الكثير من المؤسسات تنفق على حلول لا تُستعمل أو تُتجاوز بسهولة.

لذلك، لا بد أن يُعاد تعريف رحلة المشتري. فالسؤال ليس: “أي مزود يملك أكبر عدد من الخصائص؟”، بل: “أي مزود يفهم الاستخدام الفعلي للذكاء الاصطناعي على أرض الواقع، داخل المتصفح، وعبر الأدوات المعتمدة وغير المعتمدة؟”.

مراحل رحلة المشتري

يُفترض أن تبدأ عملية الشراء برصد الاستخدام، لكن هذا لا يكفي في عالم الذكاء الاصطناعي. هناك أربع مراحل محورية:

  1. الرصد والاكتشاف: تحديد أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة، سواء المصرّح بها أو المظللة (Shadow IT). الاكتشاف دون سياق يقود إلى تضخيم المخاطر واللجوء إلى قرارات حظر غير عملية.

  2. المراقبة اللحظية: فهم كيفية استخدام الأدوات والبيانات المتدفقة عبرها. ليس كل استخدام للذكاء الاصطناعي ينطوي على خطر، لكن المراقبة ضرورية للتمييز بين الاستخدام الآمن وتسريب الشفرة البرمجية.

  3. التنفيذ والسيطرة: بدلاً من المنطق الثنائي (إتاحة أو حظر)، تبرز حلول وسط مثل التنقيح، التحذيرات اللحظية، والموافقات المشروطة، التي توفر الحماية وتثقف المستخدمين في آن.

  4. ملاءمة البنية التحتية: من أخطر المزالق تجاهل تعقيدات النشر. فالحلول التي تتطلب تغييرات جذرية في البنية غالبًا ما تفشل أو تُتجاوز.

ما وراء القوائم التقليدية

في تقييم حلول أمن بيانات الذكاء الاصطناعي، يجب طرح أسئلة غير تقليدية مثل:

  • هل يعمل الحل دون الاعتماد على وكلاء (agents) أو إعادة توجيه الشبكة؟

  • هل يمكنه فرض السياسات في بيئات BYOD والأجهزة غير المُدارة؟

  • هل يوفر ضوابط متدرجة أكثر من مجرد “حظر”؟

  • هل يستطيع التكيف مع أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة فور ظهورها؟

بين الأمن والإنتاجية: وهم الثنائية

من أكثر المغالطات شيوعًا أن المؤسسات يجب أن تختار بين حماية البيانات أو تمكين الابتكار. الحظر التام لأدوات مثل ChatGPT قد يرضي بندًا رقابيًا، لكنه يدفع الموظفين لاستخدام أجهزتهم الشخصية، حيث تنعدم الرقابة. الحل الأكثر استدامة هو فرض سياسات مرنة تحمي البيانات دون إعاقة الإنتاجية.

عوامل نجاح غير تقنية

بعيدًا عن البنية التقنية، تحدد عوامل أخرى مصير الحلول الأمنية:

  • العبء التشغيلي: سرعة وسهولة النشر.

  • تجربة المستخدم: شفافية الضوابط وغياب التعطيل المفرط.

  • القدرة على التكيّف: وجود خارطة طريق للتعامل مع أدوات جديدة ومتطلبات تنظيمية مستقبلية.

محمد الشرشابي
محمد الشرشابي
المقالات: 207

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.