لم يعد الفضاء السيبراني مجرد مجال تقني منفصل عن الجغرافيا السياسية، بل تحوّل إلى ساحة صراع رئيسية بين الدول، حيث تُستخدم الهجمات الإلكترونية كأدوات ضغط وردع وتخريب. من تعطيل البنى التحتية الحيوية، إلى اختراق شبكات الطاقة والاتصالات، وصولاً إلى حملات التأثير المعلوماتي الموجهة، باتت الحروب الحديثة تُخاض في صمت عبر الشيفرات والخوادم.
من التجسس إلى التخريب
تاريخياً، ارتبطت الهجمات السيبرانية بالتجسس وسرقة البيانات الحساسة. لكن مع العقد الأخير، شهد العالم انتقالاً خطيراً نحو الهجمات التخريبية ذات الطابع العسكري. أبرز مثال على ذلك كان هجوم Stuxnet عام 2010 الذي استهدف البرنامج النووي الإيراني، واعتُبر أول سلاح سيبراني يُحدث أضراراً مادية. لاحقاً، تبنّت دول عدة استراتيجيات هجومية، من بينها روسيا التي وُجهت لها اتهامات بتنفيذ هجمات ضد أوكرانيا وبنى تحتية أوروبية، والصين التي واجهت اتهامات بسرقة الملكية الفكرية من شركات غربية.
الحرب الهجينة وموازين القوى
الهجمات السيبرانية اليوم لم تعد منفصلة عن الاستراتيجيات العسكرية الشاملة، بل تُدمج في ما يُعرف بـ”الحرب الهجينة”، حيث تتكامل الأدوات التقليدية مع الهجمات الرقمية وحملات التضليل الإعلامي. هذا التداخل يمنح الدول وسيلة أقل كلفة وأكثر صعوبة في الردع، إذ يمكنها إلحاق أضرار اقتصادية أو عسكرية جسيمة بخصومها دون الحاجة إلى صواريخ أو جيوش. كما يُعقّد من قدرة القانون الدولي على تحديد المسؤولية المباشرة عن تلك الهجمات.
مستقبل النزاعات السيبرانية
مع تسارع الابتكار في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية، يُتوقع أن تصبح الهجمات السيبرانية أكثر تعقيداً وقدرة على تجاوز أنظمة الحماية. وهو ما يثير مخاوف حقيقية من سباق تسلح رقمي عالمي، حيث تسعى القوى الكبرى إلى تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية في الفضاء الإلكتروني بنفس الحماسة التي طورت بها أسلحة الدمار الشامل في القرن الماضي.