سوء التهيئة ليست ثغرات.. الخلط المكلف الذي يعرض الأمن للخطر

 كثيرًا ما يُستخدم مصطلحا “سوء التهيئة” و”الثغرة الأمنية” بالتبادل، ولكن الحقيقة أن كليهما مختلف تمامًا. عدم التمييز بينهما لا يُعد مجرد خطأ لغوي، بل يكشف عن خلل أعمق في فهم نموذج المسؤولية المشتركة بين مزود الخدمة والمستخدم.

هذا الخلط قد يترك المؤسسات عرضة لمخاطر غير مرئية، خاصة في بيئات SaaS، حيث يصعب أحيانًا تحديد من المسؤول عن ماذا.


ما الفرق بين سوء التهيئة والثغرات؟


الثغرات الأمنية هي عيوب في الكود الأساسي للمنصة، ولا يمكن إصلاحها إلا من قبل مزود الخدمة نفسه، مثل الثغرات من نوع “يوم الصفر” أو استغلالات على مستوى الكود البرمجي.

أما سوء التهيئة، فهي مشكلة تقع على عاتق المستخدم، وتنتج عن الطريقة التي يتم بها ضبط إعدادات المنصة: من يمكنه الوصول، ما هي التطبيقات المتكاملة، وأي السياسات يتم تطبيقها أو تجاهلها. على سبيل المثال، قد يتم منح تطبيق تابع لطرف ثالث صلاحيات واسعة جدًا، أو قد يتم ترك صفحة داخلية حساسة مفتوحة للعامة دون قصد.


نموذج المسؤولية المشتركة: من المسؤول عن ماذا؟


معظم مزودي خدمات SaaS يعملون وفقًا لنموذج المسؤولية المشتركة. حيث يتولى المزود حماية البنية التحتية، وضمان الجاهزية التشغيلية، وتوفير حماية على مستوى المنصة. في المقابل، تقع مسؤولية ضبط التهيئة، وإدارة الصلاحيات، والتحكم في مشاركة البيانات على عاتق العميل.

هذا يشمل إدارة الهوية، وإعداد سياسات المشاركة، وتكامل الخدمات مع أطراف ثالثة. ولا تُعتبر هذه الطبقات الأمنية اختيارية، بل أساسية.

وبحسب تقرير “حالة أمن SaaS لعام 2025″، فإن 53٪ من المؤسسات تبني ثقتها الأمنية على أساس الثقة بمزود الخدمة. هذه الثقة العمياء قد تتحول إلى نقطة ضعف خطيرة، لأن إعدادات التهيئة التي يتحكم بها المستخدم تكون غالبًا الأكثر عرضة للاختراقات.


أدوات الكشف لا ترصد ما لم يُسجل


الغالبية العظمى من الحوادث الأمنية لا تبدأ بهجوم متقدم أو نشاط خبيث يتم تسجيله. بل تنبع من مشاكل في التهيئة أو السياسات الخاطئة التي تمر دون أن يلاحظها أحد. التقرير ذاته أشار إلى أن 41٪ من الحوادث كانت بسبب مشاكل في الصلاحيات، و29٪ ناتجة عن سوء التهيئة.

تلك المخاطر لا تظهر في أدوات الكشف التقليدية لأنها لا تعتمد على سلوك المستخدم، بل على طريقة إعداد النظام. لذا، لا يمكن رصدها من خلال السجلات، بل من خلال تحليل مباشر للإعدادات والصلاحيات والتكاملات.


مسار الهجوم عبر SaaS يبدأ من التهيئة الضعيفة


يبدأ المسار المعتاد للهجوم بمحاولات الوصول، ويصل في النهاية إلى استخراج البيانات. كل خطوة يمكن إيقافها عبر وسائل وقائية (مثل التحكم في الوضع الأمني)، أو كشفها عبر التنبيهات الناتجة عن السلوك غير الاعتيادي. ولكن ليست كل المخاطر تترك أثرًا في السجلات.

فالإعدادات المفتوحة، أو التطبيقات المرتبطة بشكل غير آمن، أو الصلاحيات الزائدة، كلها “حالات” وليست “أفعال”. وإذا لم يتفاعل أحد معها، فلن تُسجل في أي سجل.

كمثال واقعي، كشفت أبحاث حديثة حول منصة Salesforce OmniStudio عن سوء تهيئة خطير فشل نظام المراقبة التقليدي في كشفه. المشكلة لم تكن حالة نادرة، بل إعدادات افتراضية تمنح صلاحيات واسعة جدًا وتُعرض بيانات حساسة، دون أي تنبيه.


لا يمكن الاعتماد على أدوات الكشف وحدها


الكشف مهم، ولكن لا يمكن أن يحل محل الوضع الأمني الصحيح. لا يمكن “كشف” المشاكل الناتجة عن سوء التهيئة، بل يجب منعها منذ البداية.

ينبغي للمؤسسات التركيز على الرؤية الكاملة للإعدادات، والصلاحيات، والتكاملات مع الأطراف الثالثة، خاصة الذكاء الاصطناعي الظلي (Shadow AI) والمجموعات الخطيرة التي يستغلها المهاجمون.

لا يعني هذا أن الكشف غير مهم، لكن يجب أن يكون طبقة داعمة فوق بيئة معدّة بأمان من البداية. وهنا يأتي دور حلول مثل AppOmni، التي تساعد المؤسسات على الدمج بين الوضع الأمني الوقائي والكشف الذكي لبناء إستراتيجية أمنية متعددة الطبقات.


استراتيجية أكثر ذكاءً لأمان SaaS


لبناء إستراتيجية أمان SaaS فعّالة، يجب أن تبدأ من النقاط التي تقع تحت سيطرتك. ركّز على حماية الإعدادات، إدارة الوصول، وتأسيس رؤية واضحة لما يحدث داخل النظام، لأن أفضل وقت لحل مشاكل SaaS هو قبل أن تتحول إلى تهديد حقيقي.

إذا كنت تريد معرفة الثغرات الشائعة لدى معظم الفرق الأمنية، وما الذي تفعله المؤسسات الرائدة بشكل مختلف، فإن تقرير “حالة أمن SaaS لعام 2025” يقدم تحليلاً شاملاً.

محمد الشرشابي
محمد الشرشابي
المقالات: 167

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.