تزايد الضغوط على مراكز العمليات الأمنية: الإرهاق من التنبيهات وتضخم البيانات وسقوط أنظمة SIEM التقليدية

تشهد مراكز العمليات الأمنية (SOCs) حالة من الإنهاك المتزايد. فحجم السجلات يتضاعف، وبيئة التهديدات تزداد تعقيدًا، بينما تعاني الفرق الأمنية من نقص مزمن في الكوادر. يواجه المحللون يوميًا فيضًا من التنبيهات المزعجة، وأدوات متفرقة، وضعفًا في الرؤية الشاملة للبيانات. وفي الوقت ذاته، تتخلى شركات متعددة عن أنظمة SIEM المحلية، موجهة المستخدمين نحو نماذج الحوسبة السحابية (SaaS). إلا أن هذا التحول غالبًا ما يزيد من تفاقم العيوب المتأصلة في بنية SIEM التقليدية.

فيض السجلات يصطدم بحدود البنية

تعتمد أنظمة SIEM على تحليل بيانات السجلات، وكلما زاد حجمها كان أفضل — نظريًا. لكن في البنى التحتية الحديثة، أصبح هذا النموذج معيقًا. إذ تولّد الأنظمة السحابية، وشبكات التكنولوجيا التشغيلية (OT)، وأعباء العمل الديناميكية كمًا هائلًا من التليمترية، غالبًا ما تكون زائدة أو غير منظمة أو بصيغ غير قابلة للقراءة. تواجه أنظمة SIEM السحابية بشكل خاص تحديات مالية وتقنية؛ إذ تؤدي نماذج التسعير القائمة على الأحداث في الثانية (EPS) أو التدفقات في الدقيقة (FPM) إلى ارتفاع هائل في التكاليف، وتُغرق المحللين بآلاف التنبيهات غير ذات الصلة.

تُضاف إلى ذلك قيود على عمق البروتوكولات ومرونتها. فعلى سبيل المثال، تقوم خدمات السحابة الحديثة مثل Azure AD بتحديث معايير توقيع السجلات باستمرار، ما يتسبب في فقدان جامعي السجلات الثابتين لتلك التغييرات، تاركين فجوات غير مرئية. أما في بيئات OT، فتعقيد بروتوكولات الملكية مثل Modbus أو BACnet يجعل تحليلها أمرًا صعبًا أو حتى مستحيلًا.

الإنذارات الكاذبة: ضجيج أكثر… وأمان أقل

ما يصل إلى 30% من وقت محللي SOC يُهدر في ملاحقة إنذارات كاذبة. السبب الجذري لذلك؟ نقص السياق. أنظمة SIEM قادرة على الربط بين السجلات، لكنها لا “تفهمها”. فقد يكون تسجيل دخول من مستخدم ذي صلاحيات أمرًا طبيعيًا — أو خرقًا أمنيًا. من دون معرفة مسبقة بالسلوك أو بسياق الأصول، إما تفشل الأنظمة في رصد التهديد، أو تطلق إنذارًا بلا داع. هذا يؤدي إلى إرهاق المحللين وإبطاء الاستجابة للحوادث.

مأزق أنظمة SIEM السحابية: الامتثال والتكلفة والتعقيد

رغم تسويق أنظمة SIEM القائمة على SaaS كمرحلة تطور طبيعية، إلا أنها في الواقع غالبًا ما تعجز عن مجاراة نظيراتها التقليدية. فهناك فجوات كبيرة في قواعد الكشف، والتكاملات، ودعم الحساسات. كما تضيف قضايا الامتثال مزيدًا من التعقيد، خاصة للقطاعات المالية والصناعية والحكومية، حيث لا مجال للتهاون في موقع تخزين البيانات.

ولا يمكن تجاهل جانب التكلفة. بخلاف النماذج المعتمدة على الأجهزة بتراخيصها الثابتة، تقوم أنظمة SIEM السحابية بالمحاسبة وفقًا لحجم البيانات. ومع كل تصعيد في الحوادث، ترتفع الفاتورة — في اللحظات التي تكون فيها فرق الأمن تحت أقصى ضغط.

بدائل حديثة: التحليل السلوكي والبيانات الوصفية بدلًا من السجلات

تركز المنصات الحديثة على تحليل البيانات الوصفية ونمذجة السلوك، بدلًا من التوسّع في بلع السجلات. إذ يمكن لتدفقات الشبكة (مثل NetFlow وIPFIX)، وطلبات DNS، وحركة المرور عبر الوكلاء، وأنماط المصادقة، أن تكشف عن مؤشرات حاسمة مثل التنقل الجانبي، أو الوصول غير الطبيعي إلى السحابة، أو الحسابات المخترقة، دون الحاجة إلى فحص المحتوى.

تعمل هذه المنصات من دون وكلاء أو حساسات أو نسخ لحركة البيانات، بل تستخلص التليمترية الموجودة وتربطها في الوقت الحقيقي باستخدام تعلّم آلي تكيفي — وهو نهج تتبناه بالفعل حلول الكشف والاستجابة عبر الشبكة (NDR) الحديثة المصممة خصيصًا لبيئات IT وOT الهجينة. النتيجة: تنبيهات أدق، إنذارات أقل كذبًا، وضغط أقل بكثير على المحللين.

نموذج SOC الجديد: مرن، معياري، قابل للتوسع

يشير التراجع البطيء في أنظمة SIEM التقليدية إلى حاجة ملحة لتغيير هيكلي. فمراكز العمليات الأمنية الحديثة تقوم على بنية معيارية، تُوزّع مهام الكشف على أنظمة متخصصة، وتفصل التحليلات عن بنية تسجيل السجلات المركزية. من خلال دمج تقنيات الكشف القائمة على التدفقات وتحليل السلوك، تكسب المؤسسات مرونة أكبر وقابلية للتوسع — ما يسمح للمحللين بالتركيز على المهام الاستراتيجية مثل التصنيف والاستجابة.

محمد الشرشابي
محمد الشرشابي
المقالات: 167

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.