الذكاء الاصطناعي ومخاطر الشخصيات الوهمية.. كيف تحمي نفسك من حروب التضليل الرقمي؟

 الواقع الآن لم يعد هو واقع الأمس، بعدما تحول أغلبه في معظم ما يحيط بنا من واقع يُلمَس باليد، إلى شيء آخر يشبه الوقع يُصنع بالبيانات، في عالمٍ يتحول فيه الوهم إلى واقع، والكذبة إلى حقيقة، والآلة إلى إنسان، مما يحتم على الجنس البشري أن يقف أمام تحدٍ وجودي: إما أن يسيطر على أدواته، أو تتحول الأدوات إلى سادة له، بعد أن أصبح الذكاء الاصطناعي الفنانَ الخفي الذي يرسم شخصيات لا وجود لها، ويخلق قصصاً لا أصل لها، ويُدير معارك لا تُرى إلا على شاشات الهواتف. لقد تحولت الخوارزميات إلى أسلحة صامتة في حروب الوعي، حيث تُستخدم الشخصيات المزيفة كجنود رقميين يهاجمون الحقائق ويشككون في الثوابت.

فكيف تُصنع هذه الشخصيات الوهمية؟ ومن يقف خلفها؟ وما الحلول التي يمكن أن تحمي الأفراد والمجتمعات من هذا الخطر الداهم؟


كيف يصنع الذكاء الاصطناعي الشخصيات الوهمية؟

لم تعد الشخصية المزيفة مجرد صورة مزيفة أو حساب وهمي، بل أصبحت كياناً رقمياً متكاملاً بفضل تقنيات متطورة مثل:

  • المولدات اللغوية (ChatGPT – Claude AI): تُنتج نصوصاً تبدو كأنها كُتبت بواسطة بشر، بلهجات مختلفة وأساليب متقنة.

  • تقنيات Deepfake: تُنشئ وجوهاً بشرية واقعية تتحرك وتتحدث في مقاطع الفيديو، مما يجعل اكتشافها شبه مستحيل بالعين المجردة.

  • محركات تحليل السلوك: تدرس أنماط التفاعل البشري على وسائل التواصل الاجتماعي لتقلدها بدقة، مما يجعل الحسابات المزيفة تبدو “طبيعية”.

دراسات حالة صادمة:

  1. المرشح الخفي في سلوفاكيا (2024): ظهر مرشح سياسي وهمي حصل على 12% في استطلاعات الرأي قبل اكتشاف أنه من صنع الذكاء الاصطناعي.

  2. شبكة “الخبراء العرب” المزيفة: 86 حساباً وهمياً تناقش القضايا العربية بلغة طبيعية، بعضها يحاكي كتابات مثقفين حقيقيين.

  3. فضيحة مؤثرات كينيا (2025): كُشف أن 32 شخصية مؤثرة على منصات التواصل كانت من صنع شركة تسويق سياسي.


من يقف خلف هذه المسرحيات الرقمية؟

  1. دول وحكومات:

    • تُشير تقارير استخباراتية إلى استخدام إيران وروسيا والصين للذكاء الاصطناعي في حروب المعلومات.

    • حذر تقرير الأمم المتحدة (2025) من “سباق التسلح الرقمي” في صناعة الشخصيات الوهمية.

  2. شركات علاقات عامة سرية:

    • تقدم بعض الشركات خدمات “التأثير كخدمة” (Influence-as-a-Service)، حيث تُنشئ شبكات مؤثرين وهميين لترويج أجندات معينة.

  3. مجرمون ومنظمات متطرفة:

    • استغل تنظيم داعش الذكاء الاصطناعي لإنشاء شبكات دعائية وهمية تنشر التضليل وتجنّد الأتباع.


التأثيرات المدمرة: كيف يهز التضليل الرقمي المجتمعات؟

  1. موت الحقيقة:

    • وفقاً لدراسة هارفارد (2025)، 68% من الشباب لا يميزون بين الشخصيات الحقيقية والمزيفة.

    • انتشار “الشك الرقمي”، حيث لم يعد المستخدمون يثقون بأي محتوى، حتى لو كان صحيحاً.

  2. اختراق الديمقراطيات:

    • تؤثر الحملات الوهمية على الانتخابات في 14 دولة، حيث تُستخدم الشخصيات المزيفة لتحريف الرأي العام.

  3. انهيار الثقة الرقمية:

    • 43% من المستخدمين قللوا تفاعلهم على وسائل التواصل خوفاً من التضليل (تقرير مؤسسة “الإنترنت والمجتمع”).


كيف يمكن المواجهة؟ حلول تقنية وتوعوية وتشريعية

  1. تقنيات الكشف:

    • أدوات مثل “AI Detect” من مايكروسوفت تكشف المحتوى المزيف.

    • مشروع “الشفافية الرقمية” التابع للأمم المتحدة يضع معايير للتعرف على الشخصيات الوهمية.

  2. حلول تشريعية:

    • قانون “الشخصيات الرقمية” في الاتحاد الأوروبي يجبر المنصات على كشف الحسابات المزيفة.

    • مبادرة “العلامة المائية الإلزامية” للمحتوى المنتج بالذكاء الاصطناعي.

  3. التوعية الرقمية:

    • إدراج “المناعة الرقمية” في مناهج المدارس لتعليم الطرق اكتشاف التضليل.

    • حملة “اسأل قبل أن تشارك” من اليونسكو لتوعية المستخدمين.


 هل نستيقظ قبل فوات الأوان؟

عندما يتحول فيه الوهم إلى واقع، والآلة إلى إنسان، تصبحت حماية الحقيقة مسؤولية جماعية. يجب أن يعي الأفراد خطورة التضليل الرقمي، وأن تتعاون الحكومات والشركات لمواجهته.

السؤال الأكبر: هل سنتمكن من التمييز بين البشر والآلات قبل أن يفوت الأوان؟ أم أننا نخطو نحو عالمٍ تُحكمه الخوارزميات، وتُختَزل فيه الإنسانية إلى مجرد بيانات؟

محمد الشرشابي
محمد الشرشابي
المقالات: 96

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


انتهت فترة التحقق من reCAPTCHA. يُرجى إعادة تحميل الصفحة.