في عالم الأمن السيبراني، تشترك جميع الاختراقات في نقطة بداية واحدة: الوصول الأولي. وهذا الوصول يتم غالبًا من خلال بيئتين أساسيتين للهجوم: بيانات الاعتماد والأجهزة. ومع أن هذه المعلومة ليست جديدة، إلا أن كل تقرير يدرس مشهد التهديدات يؤكد نفس الحقيقة: الأجهزة غير الآمنة تمثل بوابة مثالية للمهاجمين.
لهذا السبب، أصبحت أدوات إدارة الأجهزة مثل إدارة الأجهزة المحمولة (MDM) وكشف التهديدات على النقاط النهائية (EDR) عناصر أساسية في بنية الأمن المؤسسي. ومع ذلك، فإن الاعتماد الكامل على هذه الأدوات دون اتباع نهج أوسع يسمى “ثقة الأجهزة” (Device Trust) قد يمنح المؤسسات إحساسًا زائفًا بالأمان.
فما الفرق بين “إدارة الأجهزة” و”ثقة الأجهزة”؟
“ثقة الأجهزة” هي مقاربة أكثر شمولية تعتمد على تقييم المخاطر في الوقت الحقيقي، وتوفر طبقة أعمق من الحماية تتجاوز حدود الأدوات التقليدية. في هذا المقال، نستعرض 5 نقاط ضعف رئيسية في أدوات إدارة الأجهزة، ونوضح كيف يمكن التغلب عليها من خلال مفهوم ثقة الأجهزة.
1. انعدام الرؤية الكاملة على الأجهزة غير المُدارة
أدوات MDM وEDR فعالة فقط على الأجهزة التي تخضع لإدارة الشركة. لكنها تفشل تمامًا في مراقبة الأجهزة غير المُدارة مثل:
-
أجهزة الموظفين الشخصية (BYOD)
-
أجهزة المتعاقدين الخارجيين
-
أجهزة الشركاء
رغم ذلك، هذه الأجهزة تصل فعليًا إلى موارد الشركة، وغالبًا ما تكون غير ملتزمة بسياسات الأمان (مثل عدم وجود تشفير، أو غياب التحديثات، أو عدم استخدام المصادقة البيومترية)، مما يجعلها نقاط دخول مثالية للمهاجمين.
حل “ثقة الأجهزة”:
من خلال آلية مصادقة خفيفة الوزن تحترم الخصوصية ولا تتطلب صلاحيات إدارية أو إمكانية المسح عن بُعد، يمكن تقييم المخاطر على هذه الأجهزة وتطبيق سياسات الامتثال بشكل فعال.
2. تغطية غير مكتملة لأنظمة التشغيل المختلفة
أغلب أدوات MDM وEDR تركز على Windows وmacOS، بينما تكون دعمها لـ Linux وChromeOS محدودًا أو معدومًا. في بيئات العمل التي تستخدم أنظمة متنوعة، خاصة بين المهندسين والمطورين، هذه ثغرة خطيرة في التغطية الأمنية.
حل “ثقة الأجهزة”:
تتيح الثقة بالأجهزة تقييم المخاطر عبر جميع أنظمة التشغيل، بما يشمل Linux وChromeOS، ومن ثم حظر الوصول من الأجهزة التي لا تستوفي معايير الأمان.
3. عدم التكامل مع أنظمة إدارة الوصول
غالبًا ما تعمل أدوات MDM وEDR بمعزل عن حلول إدارة الوصول (Access Management)، مما يمنع اتخاذ قرارات ديناميكية قائمة على حالة أمان الجهاز. فإذا كشف EDR عن نشاط مشبوه، لا تتم مشاركته مع نظام الوصول، وبالتالي يستمر المستخدم في الوصول للمعلومات الحساسة رغم المخاطر.
حل “ثقة الأجهزة”:
تمكن هذه التقنية من دمج تقييم المخاطر مع سياسات الوصول. فإذا أصبح الجهاز غير متوافق أمنيًا، يمكن حظر وصوله فورًا دون التأثير على إنتاجية المستخدم، إلى حين إجراء التصحيح اللازم.
4. مخاطر سوء إعداد أدوات إدارة الأجهزة
سوء التهيئة شائع، سواء بسبب الخطأ البشري أو التعقيد أو نقص الخبرة، وقد يؤدي إلى ثغرات غير مرئية. مثلًا، أداة CrowdStrike تحتاج إلى صلاحيات معينة لتعمل بكفاءة، وإذا لم يتم تفعيلها بالشكل الصحيح، تفشل في أداء مهامها دون أن يشعر أحد.
حل “ثقة الأجهزة”:
من خلال التكامل الوثيق مع أدوات الإدارة، يمكن التأكد من أن الأداة موجودة ومهيّأة بشكل صحيح، مما يقلل من خطر الأخطاء غير المكتشفة.
5. قدرة محدودة على اكتشاف التهديدات المتقدمة
تعتمد أدوات MDM وEDR في الغالب على قواعد معروفة، ولا تملك قدرة تحليل متعمقة لاكتشاف عناصر مثل:
-
وجود مفاتيح SSH غير مشفرة
-
إضافات مشبوهة في macOS
-
ملفات حساسة أو تطبيقات تحتوي على ثغرات CVEs معروفة
حل “ثقة الأجهزة”:
توفر تقييمًا دقيقًا لحالة الجهاز، ويمكن دمجه مع نظام الوصول لتطبيق معايير أمان متقدمة تتجاوز إمكانيات أدوات الإدارة التقليدية.
إدارة الأجهزة وحدها لا تكفي
صحيح أن أدوات إدارة الأجهزة مثل MDM وEDR ضرورية، لكنها ليست كافية لتحقيق الحماية الشاملة. المطلوب هو تبني نهج “ثقة الأجهزة” الذي يوفّر:
-
رؤية شاملة لجميع الأجهزة (بما فيها الشخصية وغير المُدارة)
-
دعم عبر أنظمة تشغيل متعددة
-
تكامل فوري مع سياسات الوصول
-
اكتشاف الأخطاء في الإعدادات
-
تحليل تهديدات متقدمة يتجاوز القواعد التقليدية