بعد أكثر من عقدين من تطوير البنى التحتية الأمنية وتقوية الأدوات التقنية، تواجه المؤسسات حقيقة صارخة: الأدوات والتقنيات وحدها لا تكفي لمواجهة المخاطر السيبرانية. فمع تطور الهجمات، بات المهاجمون يركزون بشكل متزايد على استغلال السلوك البشري، وليس فقط على الثغرات التقنية. وتشير تقارير Verizon إلى أن العنصر البشري كان وراء نحو 60% من حوادث الاختراق حول العالم في عام 2024.
تعريف الثقافة الأمنية ودورها في المؤسسات
الثقافة الأمنية تعني المعتقدات والمواقف والسلوكيات المشتركة تجاه الأمن السيبراني داخل المؤسسة. السؤال الجوهري هنا: هل الثقافة الأمنية التي تملكها مؤسستك هي فعلاً ما تحتاجه؟
عندما يؤمن الموظفون بأهمية الأمن السيبراني ويشعرون بالمسؤولية ويرون أنفسهم أهدافًا محتملة، فإن سلوكهم يواكب هذه القناعة. أما إذا اعتبروا الأمن عائقًا أو مسؤولية جهة أخرى، فإن المخاطر تتضاعف. المشكلة ليست أن الأفراد لا يهتمون، بل أن البيئة الأمنية غالبًا ما تكون معقدة أو غير مدمجة في سير العمل اليومي، مما يجعل الامتثال صعبًا.
ركائز بناء ثقافة أمنية قوية
لتعزيز الثقافة الأمنية، ينبغي التركيز على أربعة محاور رئيسية:
-
الإشارات القيادية: تبدأ الثقافة من القمة. عندما يضع القادة الأمن ضمن الأولويات عبر تخصيص ميزانيات، أو ربطه بالمكافآت، أو تعزيز مكانة مدير الأمن (CISO)، فإن ذلك يرسل رسالة واضحة إلى الجميع.
-
تفاعل فريق الأمن: التجربة اليومية للموظفين مع فرق الأمن تحدد الكثير. فإذا كان الفريق متعاونًا وواضحًا أصبح عنصر تمكين، أما إذا كان معقدًا أو متصلبًا، فقد يُنظر إليه كعائق.
-
تصميم السياسات: إذا كانت السياسات معقدة ومليئة بالمصطلحات الفنية، فإنها تفقد فعاليتها. أما إذا كانت واضحة وبسيطة، فإنها تشجع على الالتزام وتعزز الثقة.
-
التدريب الأمني: التدريب الفعال لا يكون مملًا أو عامًا، بل يجب أن يكون عمليًا وملائمًا للأدوار المختلفة، مما يغرس قناعة حقيقية بأهمية الأمن.
ضرورة المواءمة بين القيادة والسياسات والتدريب
نجاح الثقافة الأمنية يتطلب مواءمة متكاملة بين القيادة، وفريق الأمن، والسياسات، والتدريب. فإذا لم تتطابق الرسائل التي يرسلها القادة مع التجربة اليومية للموظفين، تنهار الثقة سريعًا. على سبيل المثال، يمكن أن يعلن القادة أن الأمن أولوية، لكن إذا كانت السياسات معقدة والتدريبات غير ملائمة وفرق الأمن غير متعاونة، فإن الالتزام سيتراجع.
السياسات البسيطة والتدريب العملي يسهّلان الالتزام بالأمن دون التأثير سلبًا على الإنتاجية، بينما السياسات الطويلة أو غير الواقعية تدفع الموظفين إلى اللجوء للحلول السهلة، ولو على حساب الأمان.
نحو بيئة تدعم السلوك الآمن
الثقافة الأمنية ليست مجرد برامج أو أدوات إضافية، بل هي بيئة متكاملة تشجع السلوكيات الآمنة وتجعلها جزءًا من العمل اليومي. الموظفون يتأثرون بما تكافئه بيئتهم وتدعمه، وإذا صُممت الثقافة لتسهيل الممارسات الآمنة، فإنها تتحول إلى خط الدفاع الأول ضد الهجمات السيبرانية.