يشهد عالم الأمن السيبراني تحولًا جذريًا بفعل الذكاء الاصطناعي، إذ أصبح سلاحًا ذا حدين: يستخدمه المهاجمون لتسريع الهجمات ورفع كفاءتها، بينما يسعى المدافعون لاستثماره في إدارة الكمّ الهائل من بيانات الثغرات والتنبيهات الأمنية. وبينما أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي محورًا رئيسًا في مجال الحماية الرقمية، فإن العديد من المؤسسات لا تزال تعاني في تطبيقه بفعالية داخل برامجها الأمنية.
المشكلة لا تكمن في نقص المعلومات، بل في فرطها المربك. فالفِرَق الأمنية اليوم تواجه ضجيجًا من البيانات أكثر مما تستطيع تحليله. وهنا يبرز دور الذكاء الاصطناعي، ليس فقط كوسيلة لتسريع التحليل، بل كأداة تمنح رؤى لا يمكن الوصول إليها بشريًا أو في الزمن الحقيقي. ومع تسلّح الخصوم بهذه التقنيات، فإن تأخر المدافعين عن دمج الذكاء الاصطناعي في استراتيجياتهم يعني خسارة معركة تتسارع يومًا بعد يوم.
مواقع الدمج الأكثر تأثيرًا: أين يحقق الذكاء الاصطناعي أقصى فاعلية؟
لتحقيق التكافؤ مع المهاجمين، ينبغي للمؤسسات التركيز على المجالات التي يوفر فيها الذكاء الاصطناعي أعلى عائد دفاعي، وهي ثلاث ركائز أساسية:
-
إزالة التكرار والربط الذكي للبيانات: لتكوين صورة موحدة وموثوقة للمخاطر.
-
تحديد الأولويات بذكاء: لضمان توجيه الموارد نحو الثغرات الأشد تأثيرًا.
-
طبقة الذكاء التحليلي: لتعزيز الحكم البشري بالسياق والتوصيات والمحاكاة.
تُشكّل هذه العناصر معًا الأساس لإدارة المخاطر المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، بحيث تتحول فرق الأمن من الاستجابة التفاعلية إلى الحدّ المستمر من المخاطر.
وقد بدأت العديد من الأدوات الأمنية في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين التحليل واتخاذ القرار. ومن أبرز هذه المنصات PlexTrac، المختصة بأتمتة تقارير الاختبار الأمني وإدارة التعرض للتهديدات، والتي أدخلت الذكاء الاصطناعي عام 2024 وتواصل توسيع استخدامه في إدارة البيانات المركزية خلال دورة حياة الثغرات.
إزالة التكرار والربط: نحو رؤية نقية للمخاطر
واحدة من أعقد مشكلات الفرق الأمنية ليست نقص الأدوات، بل كثرتها المربكة. فكثرة الماسحات وقواعد الأصول وتغذيات التهديدات تؤدي غالبًا إلى تكرار النتائج نفسها. هذا التكرار يولّد ضجيجًا يعطل التصحيح ويشوّش الرؤية العامة للمخاطر، فيقضي المحللون وقتًا طويلًا في مصالحة البيانات المتعارضة بدلًا من معالجة الثغرات فعليًا.
الذكاء الاصطناعي قادر على قلب المعادلة عبر تحليل الملايين من السجلات وتطبيعها وربطها تلقائيًا، مما ينتج عنه صورة موحّدة ودقيقة للمخاطر. وبدون هذه الخطوة، تصبح تحديد الأولويات محض تخمين.
تساعد أدوات مثل PlexTrac بالفعل في أتمتة هذه العمليات، والخطوة التالية هي إدخال طبقة ذكاء إضافية لضمان أن البيانات المقدمة للفريق نقية وخالية من الضوضاء والتكرار.
تحديد الأولويات: من الشدة إلى المخاطر الفعلية
بعد تنقية البيانات، يأتي التحدي التالي: ما الذي يُعالج أولًا؟
تعتمد الأنظمة التقليدية مثل CVSS على تقييمات الخطورة، لكنها تُنتج قوائم طويلة من الثغرات “الحرجة”، ما يُربك الفرق الأمنية.
لكن الخطورة لا تعني بالضرورة مستوى المخاطر الحقيقي.
يوفّر الذكاء الاصطناعي مقاربة أكثر دقة من خلال دمج احتمال الاستغلال، وسياق العمل، والتعرّض الفعلي للأصول، وبيانات التهديد اللحظية.
بهذا، يمكن للفرق تركيز جهودها على الثغرات الأكثر احتمالًا للاستغلال والأعلى أثرًا على المؤسسة.
وقد أطلقت منصة PlexTrac نظامًا متقدمًا لتقييم المخاطر يعتمد على السياق التجاري الفعلي، لتساعد المؤسسات على ربط قراراتها الأمنية بنتائجها التجارية بذكاء ومرونة.
طبقة الذكاء: تمكين المحللين لا استبدالهم
مستقبل الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني ليس في استبدال الإنسان، بل في تمكينه.
فهو قادر على اقتراح أولويات المعالجة، ومحاكاة سيناريوهات الهجوم، وتوليد رؤى استباقية استنادًا إلى بيانات التهديدات الحية.
يبقى القرار النهائي بيد المحلل، لكنه يتخذ قراراته بثقة أعلى وسياق أعمق.
هذه الطبقة الذكية تربط بين الأتمتة والحكم البشري لتتحول الاستجابة الأمنية من الامتثال إلى الدفاع الاستراتيجي المتوافق مع أهداف العمل.
ومن خلال منصات مثل PlexTrac، يتجه المستقبل نحو بيئة أمنية يتفوّق فيها الدفاع بالذكاء والبصيرة لا بالكثرة والردّ العشوائي.