تواجه مراكز العمليات الأمنية (SOC) يوميًا فيضًا من التنبيهات والإنذارات، كثير منها غير مهم، وبعضها يخفي وراءه تهديدات حقيقية قد تمر دون ملاحظة. والتحدي الأكبر ليس في تجاهل التنبيهات الواضحة الباطلة، بل في رصد التهديدات المموهة التي تستنزف الوقت وتسبب إرهاق المحللين، وتفتح ثغرات في أنظمة الحماية.
لماذا تتسع فجوات الكشف؟
تكمن المشكلة في تشتت أدوات التحقيق بين منصات متعددة: معلومات استخباراتية في مكان، تشغيل عينات في آخر، وتغذية سياقية في ثالث. هذا الانفصال يستهلك وقت المحللين ويؤدي إلى تراكم القضايا، تأخر التحقيقات، وفتح الباب أمام تهديدات تبقى نشطة لفترة أطول مما ينبغي.
خطة بثلاث خطوات لرفع كفاءة الكشف
تشير تقارير حديثة من ANY.RUN إلى أن اعتماد منهجية عمل متكاملة يمكن أن يضاعف كفاءة مراكز العمليات الأمنية ثلاث مرات، حيث سجلت الفرق نتائج بارزة:
-
95% من الفرق أنجزت التحقيقات بشكل أسرع
-
94% أفادت بتحسن في وضوح عملية الفرز
-
توفير 21 دقيقة في متوسط زمن الاستجابة لكل قضية
-
زيادة بنسبة تصل إلى 58% في التهديدات المكتشفة
ويقوم هذا النهج على ثلاث خطوات عملية:
الخطوة الأولى: تعزيز الرصد المبكر عبر تغذيات التهديدات (Threat Feeds)
توفر هذه التغذيات مؤشرات حديثة (IP، نطاقات، تجزئات ملفات) مأخوذة من حملات هجومية فعلية، ما يمنح SOC رؤية متقدمة، يقلل عبء التنبيهات على المستوى الأول بنسبة 20%، ويقلل من التصعيد غير الضروري.
الخطوة الثانية: تسريع التحقيق باستخدام بيئة اختبار تفاعلية (Interactive Sandbox)
بدل انتظار تقارير ثابتة، يمكن للمحللين تشغيل الملفات والروابط المشبوهة مباشرة ومراقبة سلوكها لحظة بلحظة، ما يكشف هجمات متقدمة تعتمد على النقرات أو التنزيل المرحلي. النتيجة: زمن كشف وسطي يصل إلى 15 ثانية فقط، مع تقارير قابلة للتنفيذ تسهّل الاستجابة السريعة.
الخطوة الثالثة: تعزيز الدفاع الاستباقي عبر البحث في قواعد التهديدات (Threat Intelligence Lookup)
هذه الخطوة تضيف بُعدًا عالميًا؛ إذ تُمكّن المحللين من معرفة ما إذا كان المؤشر مرتبطًا بحملة جديدة أو نشاط معروف، عبر بيانات ميدانية يساهم بها أكثر من 15,000 مركز عمليات أمنية عالميًا. هذا يربط القضايا الفردية بأنماط أوسع ويمنح رؤية استباقية للهجمات القادمة.
أمثلة عملية على سد الثغرات
في إحدى الحالات، تمكن SOC إقليمي من رصد برمجية خبيثة متنكرة في ملف Excel يُرسل عبر البريد كفاتورة تجارية. أدوات الحماية التقليدية مررت الملف دون إنذار، لكن تشغيله في بيئة اختبار تفاعلية كشف وجود ماكرو يفعّل سلسلة تنزيلات خفية لبرمجية QakBot. بفضل التكامل مع تغذيات التهديدات، عُرف أن هذا المؤشر جزء من حملة نشطة تستهدف قطاع البنوك، ما مكّن الفريق من احتواء الهجوم قبل وصوله إلى الأنظمة الحيوية.
وفي حالة أخرى، رصدت إحدى المؤسسات ملف PDF ظاهريًا عاديًا، لكن البحث في قواعد التهديدات العالمية بيّن أنه يرتبط بحملة تصيّد واسعة النطاق استهدفت سابقًا شركات اتصالات. هذا الربط السريع وفّر ساعات من التحقيق وأتاح للمؤسسة تنبيه شركائها قبل وقوع الضرر.
نحو SOC أكثر قوة وفاعلية
إن بناء سير عمل موحّد للكشف والتحقيق يغلق الفجوات الأمنية، ويحول التهديدات المتفرقة إلى مشهد واضح متكامل. ومع اعتماد هذا النهج، تحقق المؤسسات مكاسب ملموسة: تحقيق أسرع، تقليل التصعيدات، وثقة أكبر في قدرات SOC. وتشير الأرقام إلى أن 74% من شركات Fortune 100 وأكثر من 15,000 مؤسسة حول العالم دمجت هذه المنهجية بالفعل في عملياتها اليومية.