ليست جميع الهجمات السيبرانية تعتمد على القوة الغاشمة، فبعضها الأشد تدميراً يحدث بصمت ومن دون أن يُلاحظ حتى يغادر المهاجم وقد أنجز مهمته. من بين أخطر هذه الهجمات، تبرز هجمات الرجل في المنتصف (MITM)، التي يستغل فيها المهاجمون ثغرات بروتوكولات الاتصال للتسلل خلسة بين طرفين دون علمهما.
ورغم خطورة هذه الهجمات، فإن الوقاية منها لا تتطلب إجراءات معقدة، بل يكفي اعتماد بعض الممارسات الأمنية البسيطة لتعزيز الحماية والحفاظ على سرية البيانات.
فهم طبيعة هجمات MITM
تحدث هجمات الرجل في المنتصف عندما يتنصّت المهاجم على الاتصالات بين طرفين، كالمستخدم وتطبيق ويب، بهدف سرقة معلومات حساسة. ومن خلال التسلل بين طرفي الاتصال، يمكن للمهاجم الوصول إلى بيانات مثل بطاقات الدفع وكلمات المرور وتفاصيل الحسابات، والتي تُستخدم لاحقًا في عمليات احتيال، سرقة هوية، أو استيلاء على حسابات مالية.
وقد سجلت هجمات MITM حضورًا واسعًا في حوادث بارزة، مثل اختراق Equifax وفضيحة Superfish من Lenovo، واختراق DigiNotar، مما يُبرز حجم الخطر عند فشل آليات الحماية.
البيئات الأكثر عرضة لهجمات MITM
تنتشر هجمات MITM في الأماكن التي توفر شبكات واي فاي غير مؤمنة، كالمقاهي والمطارات والفنادق، حيث يستغل المهاجمون الشبكات غير المحمية أو يقومون بإنشاء نقاط وصول مزيفة تحاكي شبكات شرعية. وتقوم هذه النقاط بتقليد أسماء الشبكات (SSID) لجذب المستخدمين، الذين غالبًا ما يتصلون تلقائيًا دون إدراك الخطر.
دور الانتحال في نجاح الهجمات
يعتمد المهاجمون على التحايل والانتحال (Spoofing) لتقمص دور جهات موثوقة، مما يمكنهم من اعتراض البيانات أو التلاعب بها دون إثارة الشك. ومن أبرز تقنيات الانتحال:
انتحال mDNS وDNS
يعمد المهاجمون إلى الرد على طلبات الاسم ضمن الشبكات المحلية بعناوين زائفة عبر mDNS، أو يحقنون بيانات مزيفة في نظام DNS لتحويل المستخدمين إلى مواقع خبيثة.
انتحال ARP
يتم استغلال بروتوكول ARP لتحويل حركة البيانات المحلية نحو جهاز المهاجم، وذلك من خلال الرد على طلبات عنوان MAC بعنوان مزيف، مما يسمح بالتقاط البيانات الحساسة، مثل رموز الجلسات والوصول غير المصرح به للحسابات.
استراتيجيات الوقاية من هجمات MITM
رغم تعقيد هذه الهجمات، يمكن تقليل خطرها باتباع مجموعة من الإجراءات الوقائية الفعالة.
تشفير البيانات
تُعد حماية حركة البيانات عبر HTTPS وTLS من الخطوات الأساسية. يجب فرض استخدام HSTS لضمان الاتصال عبر قنوات مؤمنة فقط، وتفعيل سمات الحماية للكوكيز. أما في التطبيقات، فيُنصح بتطبيق تثبيت الشهادات (Certificate Pinning) لمنع انتحال الخوادم الموثوقة.
تأمين الشبكة
تجنب استخدام شبكات الواي فاي العامة قدر الإمكان، أو استخدام VPN موثوق لتشفير حركة البيانات. يُفضل كذلك تقسيم الشبكة داخليًا لعزل المناطق غير الموثوقة، وتفعيل تقنيات مثل DNSSEC وDNS over HTTPS أو DNS over TLS لمنع التلاعب باستعلامات DNS.
التحقق المتبادل والمصادقة
استخدام TLS المتبادل يضمن أن كلا الطرفين يتحقق من هوية الآخر قبل إنشاء الاتصال. كما يُوصى بتفعيل المصادقة متعددة العوامل (MFA) على الخدمات الحساسة، ومراجعة الشهادات المفاتيح التشفيرية وتحديثها بانتظام.
مراقبة الأطراف والنشاط
اعتماد أنظمة كشف ومنع التسلل (IDS/IPS) لرصد أنماط اتصال غير معتادة، إلى جانب أدوات إدارة سطح الهجوم الخارجي (EASM) لكشف الشهادات منتهية الصلاحية أو المكوّنة بشكل خاطئ. يمكن كذلك استخدام أنظمة EDR المتقدمة لرصد تكتيكات MITM الشائعة كـ ARP spoofing أو البروكسيات المزيفة.
توعية المستخدمين
تثقيف المستخدمين حول تحذيرات الشهادات غير الصالحة يُسهم في تفادي الاتصال بخوادم خبيثة. وفي المقابل، ينبغي على المطورين الالتزام بممارسات البرمجة الآمنة وعدم تعطيل التحقق من الشهادات. كما يساهم دمج اختبارات أمان التطبيقات الثابتة (SAST) والديناميكية (DAST) في اكتشاف الثغرات مبكرًا.
تعزيز حماية Active Directory
يمكن تقوية أمان الدليل النشط من خلال فرض كلمات مرور قوية وفريدة، وفحصه دوريًا بحثًا عن بيانات اعتماد تم اختراقها. تساعد أدوات مثل Specops Password Policy في منع استخدام كلمات مرور ضعيفة أو مسرّبة عبر التحقق اللحظي عند إنشائها.
ترتبط هذه الأداة مباشرة بخوادم النطاق عبر مرشح كلمات مرور خفيف، ما يضمن الحماية الاستباقية. كما تتيح لوحات تحكم مركزية وتكاملاً مع MFA وأنظمة إعادة تعيين كلمة المرور، لتوفير آلية فعالة وشاملة تمنع إعادة استخدام كلمات المرور الضعيفة في مؤسستك.