خطوات بسيطة لتقليص سطح الهجوم السيبراني

شهد عالم الأمن السيبراني تغيراً جذرياً منذ ظهور فيروس “Love Bug” في عام 2001، إذ تحولت الهجمات من مجرد إزعاج بسيط إلى صناعة إجرامية بمليارات الدولارات. هذا التحول فرض على المؤسسات اعتماد استراتيجيات دفاعية استباقية لا تقتصر على رصد التهديدات بل تعمل على منعها من الوصول إلى الشبكة أساساً.
يرى خبراء الأمن أن تبني سياسة “الأمن الافتراضي” Security-by-Default، من خلال إعدادات تمنع المخاطر منذ اليوم الأول، هو السبيل الأمثل لتقليص التعقيد وتقليل سطح الهجوم، بما يمنح المؤسسات مرونة أكبر في مواجهة التهديدات المتطورة.

المصادقة متعددة العوامل كخط دفاع أساسي

تطبيق المصادقة متعددة العوامل (MFA) على جميع الحسابات والخدمات عن بُعد يُعد إجراءً محورياً. حتى لو تم تسريب كلمات المرور، فإن تفعيل هذه الخاصية يحول دون الوصول غير المصرح به. ينصح الخبراء بتجنب استخدام الرسائل النصية كوسيلة تحقق أساسية، والاكتفاء بطرق أكثر أماناً مثل التطبيقات المخصصة أو مفاتيح الأمان. ورغم أن هذا الإجراء قد يسبب بعض الإزعاج للمستخدمين، إلا أن فوائده في منع سرقة البيانات أو الخسائر المالية تفوق أي عوائق.

سياسة “المنع الافتراضي”

من أبرز الممارسات الفعالة حالياً اعتماد مبدأ Deny-by-Default أو ما يُعرف بالقوائم البيضاء للتطبيقات، حيث يتم حظر كل البرامج بشكل افتراضي والسماح فقط للبرامج الموثوقة بالعمل. هذا الإجراء يوقف البرمجيات الخبيثة مثل برامج الفدية قبل أن تبدأ بالتنفيذ، كما يمنع أدوات الوصول عن بُعد غير المرخصة التي يستغلها المهاجمون عبر الهندسة الاجتماعية. ويمكن للمستخدمين الوصول إلى التطبيقات المعتمدة من خلال مكتبة برامج آمنة، مع وجود أدوات مراقبة لتتبع كل عملية تشغيل بما في ذلك التطبيقات المحمولة.

تعديلات صغيرة بإمكانها سد ثغرات كبيرة

تغيير بعض الإعدادات الافتراضية يحقق نتائج كبيرة في تعزيز الأمان، مثل:

  • تعطيل وحدات الماكرو في برامج أوفيس لوقف واحد من أكثر منافذ الهجوم شيوعاً.

  • تفعيل شاشات التوقف المحمية بكلمات مرور لمنع التطفل أثناء غياب المستخدم.

  • إيقاف بروتوكول SMBv1 القديم الذي استُخدم في هجمات كبرى مثل “WannaCry”.

  • تعطيل ميزة تسجيل ضغطات المفاتيح في ويندوز لتفادي تسريب البيانات.

التحكم في السلوكيات الشبكية والتطبيقية

إدارة الصلاحيات والسلوكيات داخل بيئة العمل تحد من فرص الهجوم. من أبرز الإجراءات:

  • إزالة صلاحيات المدير المحلي لمنع العبث بالإعدادات الأمنية.

  • إغلاق المنافذ غير المستخدمة مثل SMB وRDP، والسماح بالوصول فقط من مصادر موثوقة.

  • منع الخوادم من الاتصال بالإنترنت إلا عند الضرورة لتفادي هجمات شبيهة بـ”SolarWinds”.

  • تقييد سلوكيات التطبيقات عبر أدوات مثل ThreatLocker Ringfencing ™ لمنع استغلالها في تشغيل أوامر ضارة.

  • تأمين خدمات VPN عبر تقييد الوصول لعناوين IP محددة وتحديد صلاحيات المستخدمين.

حماية البيانات ومراقبة الأنشطة

تعزيز الضوابط على البيانات وبيئة الويب يضيف طبقة أمان إضافية، مثل:

  • حظر استخدام وحدات USB غير المشفرة لمنع تسرب البرمجيات الخبيثة.

  • تحديد صلاحيات التطبيقات للوصول إلى الملفات حسب الحاجة فقط.

  • تصفية التطبيقات السحابية غير المعتمدة مع إتاحة طلبات الوصول المنظمة.

  • مراقبة أنشطة الملفات على الأجهزة والسحابة لرصد أي سلوك مريب مبكراً.

ما بعد الإعدادات الافتراضية

رغم أهمية الإعدادات الافتراضية القوية، إلا أن الأمن السيبراني يتطلب يقظة مستمرة، تشمل:

  • التحديث الدوري لجميع الأنظمة والتطبيقات لسد الثغرات المستغلة.

  • تفعيل أنظمة رصد التهديدات الآلية EDR والاستعانة بخدمات MDR التي توفر استجابة سريعة على مدار الساعة.
    إن بناء بيئة محصنة بإعدادات ذكية منذ البداية لا يقلل من فرص الاختراق فقط، بل يخفف من التعقيدات التشغيلية ويعزز استدامة البنية التحتية الأمنية في مواجهة التهديدات المتزايدة.

محمد الشرشابي
محمد الشرشابي
المقالات: 170

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.