بولندا تفكك شبكة احتيال استثماري جمعت أكثر من 20 مليون دولار من ضحايا محليين

في عملية أمنية واسعة كشفت عن خيوط احتيال رقمي منظم عبر الحدود، أعلنت السلطات البولندية عن اعتقال 11 مشتبهًا بتورطهم في تشغيل شبكة احتيال استثماري استخدمت مراكز اتصال في الخارج لخداع المواطنين البولنديين ودفعهم إلى استثمار أموالهم في مواقع وهمية للتداول المالي. وقدرت الشرطة أن العصابة حققت أرباحًا تجاوزت 20 مليون دولار من أكثر من 1500 ضحية.

أسلوب الخداع: مراكز اتصال عابرة للحدود

بحسب بيان مكتب المدعي العام البولندي، فإن المخطط الإجرامي اعتمد على إنشاء مراكز اتصال في دول أجنبية يديرها عناصر ناطقون بالبولندية، يتواصلون مع الضحايا عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني لإقناعهم بالاستثمار في أسهم أو عملات رقمية أو مشاريع طاقة وهمية. وكان أفراد العصابة يقدمون أنفسهم على أنهم “مستشارون ماليون معتمدون” ويستخدمون مواقع إلكترونية متقنة التصميم تحاكي منصات استثمار حقيقية.

وبمجرد أن يودع الضحايا أموالهم، كانت المبالغ تُحوّل إلى حسابات مصرفية خارج البلاد تُدار عبر شبكات من الشركات الوهمية، ما يجعل تتبع الأموال واستعادتها أمرًا بالغ الصعوبة. وتشير التحقيقات إلى أن بعض الخوادم المستعملة في تشغيل المواقع الاحتيالية كانت مستضافة في دول أوروبية وآسيوية، في محاولة لإخفاء هوية القائمين على العملية.

خسائر ضخمة وتعاون دولي

تُقدّر الخسائر الإجمالية التي تسبب بها المخطط بأكثر من 20 مليون دولار أميركي، وفق تحقيقات مكتب مكافحة الجريمة الاقتصادية في وارسو. وقد تم فتح تحقيقات جنائية ضد المتهمين تشمل تبييض الأموال، والاحتيال المنظم، والأنشطة العابرة للحدود. كما تعمل السلطات البولندية بالتعاون مع يوروبول (Europol) ووكالات إنفاذ القانون في دول أخرى لتحديد باقي المتورطين واستعادة الأموال المسروقة.

وذكرت الشرطة أن العصابة كانت تستخدم إعلانات مموّلة على الإنترنت لجذب المستثمرين المحتملين، خاصة على منصات مثل فيسبوك ويوتيوب، حيث كانت تروّج لعوائد خيالية تصل إلى “30% شهريًا” تحت شعارات مغرية مثل “الاستثمار الآمن والمضمون”.

خلفية الظاهرة: تصاعد الاحتيال الاستثماري في أوروبا

تأتي هذه القضية في وقت تشهد فيه أوروبا ارتفاعًا ملحوظًا في جرائم الاحتيال المالي عبر الإنترنت، خاصة بعد جائحة كورونا التي دفعت كثيرين إلى البحث عن فرص استثمار رقمية. وقد حذّرت وكالة يوروبول في تقارير سابقة من أن شركات الاستثمار الوهمية أصبحت أداة رئيسية لعصابات الجريمة المنظمة التي تستخدم التكنولوجيا والخداع النفسي لاستنزاف المدخرات الشخصية.

كما أشار خبراء الأمن السيبراني إلى أن هذه الشبكات تستغل الثغرات التنظيمية بين الدول الأوروبية، مستفيدة من صعوبة ملاحقة المحتالين الذين يعملون من خارج الحدود. وغالبًا ما تعتمد هذه العصابات على مراكز اتصال احترافية تستخدم بيانات ضحايا مسرّبة من قواعد بيانات مسروقة لزيادة فرص الإقناع.

مواجهة الظاهرة: وعي مجتمعي وتشريعات أكثر صرامة

تسعى بولندا، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي، إلى تعزيز تشريعات مكافحة الاحتيال الرقمي وتطوير آليات التبليغ المبكر. كما أطلقت السلطات البولندية حملات توعية تحذر المواطنين من الاستثمارات غير المرخصة والمكالمات الهاتفية المجهولة التي تعد بعوائد مرتفعة بلا مخاطر.

ويؤكد محللون أن نجاح هذه العملية الأمنية يمثل خطوة مهمة في كبح انتشار الاحتيال الاستثماري المنظم، لكنه لا يعني نهاية الظاهرة، إذ ما تزال العديد من العصابات تنشط في الظل، مستفيدة من التطور المستمر في أدوات التواصل الرقمي وأساليب الهندسة الاجتماعية.

محمد وهبى
محمد وهبى
المقالات: 668

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.