الحروب الهجينة.. عندما تتداخل الأدوات العسكرية والسيبرانية والمعلوماتية لصياغة الصراعات الجيوسياسية

تمثل الحروب الهجينة تحولًا جذريًا في شكل الصراع الجيوسياسي، حيث لم تعد الحروب تُخاض بالأسلحة التقليدية فقط، بل تشمل أيضًا أدوات غير تقليدية مثل الهجمات السيبرانية، العمليات النفسية، الحملات الإعلامية، وحرب المعلومات. هذا النمط من الصراع يدمج بين أدوات القوة الناعمة والخشنة، ويُستخدم فيه كل ما يمكن زعزعة استقرار الخصم دون الحاجة إلى إعلان حرب رسمية.

وقد ظهرت مفاهيم الحروب الهجينة بوضوح خلال النزاعات الحديثة، أبرزها الأزمة الأوكرانية منذ 2014، حيث استخدمت روسيا تقنيات هجينة شملت الحرب الإعلامية، دعم جماعات انفصالية، وهجمات إلكترونية واسعة النطاق. كما اتُّهمت قوى دولية باستخدام شركات خاصة، ومجموعات مرتزقة، ومؤثرين رقميين ضمن منظومات هجومية مركبة.

أدوات الصراع الجديدة: الفضاء السيبراني كجبهة قتال

في العصر الرقمي، تحوّل الفضاء السيبراني إلى ساحة حرب موازية للجبهات العسكرية. تقوم جهات حكومية وغير حكومية بتنفيذ هجمات إلكترونية تهدف إلى تعطيل أنظمة التحكم الصناعية، التجسس على البنية التحتية الحيوية، وتسريب معلومات حساسة لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية. وتعتمد هذه الهجمات على استغلال ثغرات البرمجيات، وسلاسل التوريد الرقمية، وشبكات إنترنت الأشياء، مما يجعل الهجمات دقيقة التأثير وصعبة التتبع.

باتت الدول تستثمر في قدرات الدفاع والهجوم السيبراني، وتأسيس وحدات متخصصة للردع الرقمي. وتُعدّ بعض المنصات الذكية، مثل شبكات الاتصالات وخوادم التخزين السحابية، أهدافًا رئيسية في هذا النوع من الحروب، نظرًا لما تمثله من أهمية استراتيجية لتحكمها في تدفق المعلومات وتخزين البيانات السيادية.

الإعلام كسلاح والتضليل كساحة معركة

تلعب وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دورًا بالغ التأثير في الحروب الهجينة، حيث أصبحت أدوات فعالة لبث الدعاية، التلاعب بالرأي العام، وتوجيه الأجندات السياسية عبر المحتوى الموجّه. تُستخدم الجيوش الإلكترونية والروبوتات الذكية (bots) لبث الشائعات، إحداث انقسامات داخل المجتمعات، وتقويض الثقة في المؤسسات.

تعتمد حملات التضليل على استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد محتوى مزيف، مثل الأخبار الكاذبة ومقاطع الفيديو المعدلة (Deepfakes)، والتي يصعب على المتلقي العادي التمييز بينها وبين الحقيقة. وهذا يجعل من الوعي المعلوماتي والتحقق الرقمي أدوات دفاعية رئيسية في مواجهة هذا النوع من التهديدات.

مستقبل الحروب: صراعات بلا خطوط تماس واضحة

يتوقع الخبراء أن الحروب المستقبلية ستكون بلا جيوش نظامية معلنة أو ساحات قتال تقليدية. بل ستكون مواجهات غير متماثلة تُشن عبر منصات رقمية، حواسيب، شركات تكنولوجيا، ومواقع التواصل الاجتماعي. كما سيشكل القطاع الخاص، بما في ذلك شركات الأمن السيبراني ومزودي الخدمات السحابية، جزءًا من البنية الدفاعية في الحروب الهجينة.

تُعيد هذه التطورات رسم خريطة التحالفات الجيوسياسية، وتضع تحديات جديدة أمام القانون الدولي، الذي لا يزال يتعامل مع الصراعات من منظور تقليدي. ويكمن التحدي الأكبر في التوازن بين الأمن الرقمي، وحماية الحقوق المدنية، والحفاظ على البنية الديمقراطية في مواجهة أدوات هجومية غير مرئية.

محمد الشرشابي
محمد الشرشابي
المقالات: 153

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.