الانشغال لا يعني الأمان.. وهم المقاييس الزائفة في الأمن السيبراني

بعد أكثر من 25 عامًا في مجال إدارة المخاطر، وضمان الامتثال، وبناء برامج أمنية قوية للشركات الكبرى، تعلمت درسًا مهمًا: الانشغال لا يعني أنك آمن.

يقع الكثير من قادة الأمن السيبراني في فخ الاعتماد على مقاييس تبدو جيدة في التقارير – مثل عدد الثغرات التي تم ترقيعها أو سرعة الاستجابة – لكنها لا تعكس حقيقة تقليل المخاطر.

نُطلق على هذه المقاييس اسم “المقاييس الزائفة” (Vanity Metrics): أرقام تبدو رائعة، لكنها تفتقر إلى القيمة الاستراتيجية الحقيقية.


ما هي المقاييس الزائفة في الأمن السيبراني؟

المقاييس الزائفة هي مؤشرات يُستشهد بها غالبًا لإظهار النشاط، لكن لا تقدم رؤى حقيقية حول فعالية الأمان أو تقليل المخاطر. ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

1. مقاييس الحجم (Volume Metrics)

مثل:

  • عدد الترقيعات المُطبقة

  • عدد الثغرات المكتشفة

  • عدد عمليات المسح

هذه الأرقام تُظهر النشاط، لكنها لا تعكس مدى ارتباط هذه الأنشطة بالخطر الفعلي.

2. المقاييس الزمنية بدون سياق الخطر

مثل:

  • متوسط الوقت لاكتشاف الثغرات (MTTD)

  • متوسط الوقت لمعالجتها (MTTR)

دون ربطها بدرجة الخطورة، تبقى هذه الأرقام سطحية.

3. مقاييس التغطية (Coverage Metrics)

مثل:

  • “تم مسح 95% من الأصول”

  • “تم ترقيع 90% من الثغرات”

لكن… ماذا عن الـ 5% المتبقية؟ قد تكون تلك هي الأكثر خطورة!


لماذا المقاييس الزائفة تضر أكثر مما تنفع؟

عندما تسيطر المقاييس الزائفة على تقارير الأمن السيبراني، تحدث عدة مشاكل:

  • توزيع الجهود بشكل خاطئ: تركيز الفرق على ما هو سهل القياس بدلًا من معالجة الثغرات الحرجة.

  • ثقة زائفة لدى الإدارة: تصاعد المؤشرات يمنح انطباعًا خاطئًا بالأمان.

  • ضعف الأولويات: الغرق في قوائم الثغرات دون تحديد أهمها.

  • تجميد الابتكار: التركيز على النشاط وليس التأثير يقتل التطوير الإستراتيجي.

لقد رأيت مؤسسات تتعرض للاختراق رغم تقارير KPI رائعة، لأن تلك المؤشرات لم تكن مرتبطة بالواقع.


كيف ننتقل إلى مقاييس ذات مغزى؟

التحول إلى مقاييس أمنية قائمة على تقليل المخاطر الحقيقية يبدأ بتغيير السؤال من:

❌ “ماذا أنجزنا؟”
✅ إلى: “ما الذي يهددنا فعليًا؟”

إليك 5 مقاييس فعالة لقياس المخاطر السيبرانية:

1. درجة الخطر المرتبطة بتأثير الأعمال (Risk Score)

تعتمد على:

  • قابلية الاستغلال

  • أهمية الأصل المستهدف

  • العواقب المحتملة

2. تعرض الأصول الحرجة عبر الزمن

هل الأصول الأكثر أهمية لا تزال مكشوفة؟ هل يتم تحسين الوضع بمرور الوقت؟

3. رسم خرائط مسارات الهجوم (Attack Path Mapping)

يُظهر كيف يمكن للمهاجمين الانتقال من نقطة دخول بسيطة إلى بيانات حساسة، عبر استغلال الثغرات وسوء التكوين.

4. تفصيل فئات التعرض (Exposure Class Breakdown)

فهم أنواع المخاطر:

  • الثغرات غير المُرقّعة

  • إساءة استخدام الصلاحيات

  • المنافذ المفتوحة

  • مشاكل التكوين السحابي

5. متوسط وقت المعالجة للثغرات الحرجة

بدلًا من النظر للـ MTTR العام، ركّز على سرعة معالجة الثغرات المرتبطة بمخاطر فعلية.


الخلاصة: لا تكتفِ بالمظهر… قِس ما يهم فعلًا

المقاييس الزائفة تملأ لوحات التحكم وتبدو رائعة في الاجتماعات… لكنها لا تحميك من الهجمات الحقيقية.

التحول نحو الأمان الفعّال يبدأ من:

  • التركيز على قياس التأثير الحقيقي

  • اعتماد أطر عمل مثل إدارة التعرض المستمر للتهديدات (CTEM)

محمد الشرشابي
محمد الشرشابي
المقالات: 73

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.