أصابع الاتهام تشير إلى عاصفة سيبرانية.. انقطاع الكهرباء المفاجئي يثير قلقاً واسعاً بين الحكومات والمنظمات الأمنية

في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية وتزايد الاعتماد على الأنظمة الرقمية، تشهد أوروبا موجة من انقطاعات الكهرباء الغامضة التي يُشتبه في كونها نتيجة هجمات سيبرانية مدبرة. هذه الأزمة أثارت قلقاً واسعاً بين الحكومات والمنظمات الأمنية، خاصة مع تزايد الأدلة على تورط جهات معادية في استهداف شبكات الطاقة الحيوية.

فهل تُعد هذه الانقطاعات مجرد أعطال فنية، أم أنها جزء من حرب سيبرانية خفية تهدف إلى زعزعة استقرار القارة الأوروبية؟ وما الإجراءات التي يمكن اتخاذها لمواجهة هذا التهديد المتصاعد؟


 الأدلة على تورط جهات إلكترونية خبيثة

1. نمط الهجمات المتكررة على البنية التحتية

في السنوات الأخيرة، تعرضت عدة دول أوروبية لهجمات إلكترونية استهدفت محطات الكهرباء وشبكات التوزيع، ومن أبرزها:

  • هجوم 2015 على أوكرانيا (BlackEnergy): أول هجوم سيبراني يُسبب انقطاعاً واسعاً للكهرباء.

  • اختراق شبكات الطاقة الألمانية (2022): والذي نُسب إلى مجموعة APT29 الروسية.

  • تعطيل أنظمة التحكم في فرنسا (2024): حيث تعرضت عدة محطات لتوقف مفاجئ.

2. تقارير استخباراتية تحذر من تهديدات جديدة

كشفت وكالة الاتحاد الأوروبي للأمن السيبراني (ENISA) عن زيادة بنسبة 60% في الهجمات على قطاع الطاقة خلال العام الماضي، محذرةً من أن المجموعات القرصنة المدعومة من دول (مثل روسيا والصين) تُطور أدوات أكثر تطوراً لتعطيل الخدمات الأساسية.


 كيف تتم الهجمات على شبكات الكهرباء؟

تعتمد الهجمات السيبرانية على شبكات الطاقة على عدة أساليب، منها:

1. استغلال ثغرات أنظمة “SCADA”

  • هذه الأنظمة تُستخدم للتحكم في محطات الكهرباء، وغالباً ما تكون ضعيفة الحماية.

  • يتم اختراقها عبر برمجيات خبيثة مثل Industroyer2 المصممة خصيصاً لشبكات الطاقة.

2. هجمات “Ransomware” ضد مشغلي الشبكات

  • تقوم مجموعات القرصنة بتشفير أنظمة التحكم والمطالبة بفدية مقابل إعادة التشغيل.

  • في 2023، تسبب هجوم من هذا النوع في تعطيل شبكة كهرباء إيطاليا لمدة 12 ساعة.

3. الحرب الهجينة: الجمع بين الإلكتروني والمادي

  • بعض الهجمات تتضمن تعطيل الأنظمة عن بُعد مع تخريب فيزيائي (كقطع الكابلات).

  • في 2024، تم اكتشاف محاولات لاختراق أنظمة الطاقة الدنماركية بالتزامن مع أعمال تخريبية.


 الإجراءات الاحترازية لمواجهة التهديد

1. تعزيز البنية التحتية السيبرانية

  • تحديث أنظمة الحماية باستخدام الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الهجمات فوراً.

  • تقسيم الشبكات (Network Segmentation) لعزل أنظمة التحكم عن الإنترنت.

2. التعاون الأوروبي المشترك

  • تفعيل خطة طوارئ إقليمية بين دول الاتحاد الأوروبي لتبادل المعلومات.

  • إنشاء فرق استجابة سريعة للطوارئ السيبرانية (مثل وحدة CYBER EU).

3. تدريب الكوادر وتشديد القوانين

  • إلزام شركات الطاقة بتطبيق معايير الأمن السيبراني الصارمة (مثل إطار NIST).

  • تدريب المهندسين على كشف البرمجيات الخبيثة في أنظمة التحكم.

4. الاستعداد لسيناريو “الانقطاع الكبير”

  • تطوير أنظمة كهرباء احتياطية تعمل دون اتصال بالشبكة (Off-Grid).

  • تخزين مولدات طوارئ في المناطق الحيوية (المستشفيات، المراكز الأمنية).


 هل أوروبا مستعدة لمواجهة العاصفة السيبرانية القادمة؟

بينما تتسارع التحذيرات من حرب سيبرانية شاملة، تظهر أزمة انقطاع الكهرباء الحالية أن التهديد حقيقي ومتزايد. ومع اعتماد القارة على أنظمة رقمية معقدة، فإن الاستثمار في الأمن السيبراني لم يعد رفاهية، بل ضرورة وجودية.

السؤال الأهم الآن: هل يمكن لأوروبا أن تمنع كارثة كهربائية كبرى؟ الإجابة تعتمد على سرعة التحرك والتعاون العالمي قبل فوات الأوان.

 

محمد الشرشابي
محمد الشرشابي
المقالات: 87

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


انتهت فترة التحقق من reCAPTCHA. يُرجى إعادة تحميل الصفحة.